أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة 24 سبتمبر 2021م للشيخ كمال المهدي “المواساةُ في القرآنِ الكريمِ”

خطبة الجمعة القادمة 24 سبتمبر 2021م بعنوان : “المواساةُ في القرآنِ الكريمِ” ، للشيخ كمال المهدي، بتاريخ 17 صفر 1442هـ ، الموافق 24 سبتمبر 2021م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 سبتمبر 2021م بصيغة word بعنوان : “المواساةُ في القرآنِ الكريمِ” ، للشيخ كمال المهدي

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 سبتمبر 2021م بصيغة pdf بعنوان : “المواساةُ في القرآنِ الكريمِ”، للشيخ كمال المهدي

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 24 سبتمبر 2021م بعنوان : “المواساةُ في القرآنِ الكريمِ” ، للشيخ كمال المهدي:

 

1- ما المقصودُ بالمواساةِ .

2- الحكمةُ من المواساة . ِ

3- ثمراتُ وفضائلُ المواساة . ِ

4- نماذجٌ من مواساةِ اللهِ تعالى لأنبيائهِ وأوليائه. ِ

5- نماذجٌ مشرقةٌ من سيرةِ النبي صلى اللهُ عليه وسلم مع المواساة. ِ

 

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 24 سبتمبر 2021م ، بعنوان : “المواساةُ في القرآنِ الكريمِ” ، كما يلي:

 

**
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ المرسلين سيدِنا محمدٍ عليه أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليم.ِ

أما بعد :- ُ

أحبتي في اللهِ :- إنّ الناظرَ في سنةِ اللهِ جلّ وعلا في خلقِه للدنيا يجدُ أنّ اللهَ تعالى خلقَ هذهِ الدنيا وجعلَ طبيعتَها الشدةَ وجعلَ فيها التعبَ والنصبَ والكدحَ والكدرَ، قال تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد:٤].

يكابدُ في هذه الدنيا، فتعتريهِ الهمومُ والأحزانُ والغموم. ُ

هذا بخلافِ الجنةِ… فالجنةُ ليس فيها همٌّ ولا غمٌّ، قال تعالى مخبرًا عن حالِ أهلِهَا: (لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) [الحجر:٤٨].

وقال تعالى عنهم: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:٣٤].

وإنّ المتأملَ ليجد حكمةً بالغةً في هذا الأمرِ، فاللهُ جلّ وعلا جعلَ الدنيا دارَ تعبٍ ونصبٍ وكدحٍ وهمومٍ وغمومٍ كما جعلَ فيها زينةً ومتاعاً إلا أنّ هذا المتاعَ قد يخالطُه الهمومَ والغمومَ والأحزانَ أما الجنةُ فهي دارُ راحةٍ وسعادةٍ ومتعةٍ. وما ذلك إلا لأنّه لو لم يكنْ في الدنيا هذا الهمُ والغمُ، وهذا النصبُ والمرضُ والتعبُ، سيكون التعلقُ بها شديدًا.

لذلك جعلَ اللهُ تعالى الشدائدَ والهمومَ فيها  حتى يُذَكِّرَ العبادَ أنّ هناك داراً أخرى ليس فيها هذه الشدائدُ، ليس فيها همومٌ ولا غموم.ٌ فلا يتعلقوا بالدنيا تعلقاً شديداً.

قِيل للإمامِ أحمدَ رحمه اللهُ: متى يجدُ العبدُ طعمَ الراحةِ؟ قال: “عند أولِ قدمٍ يضعُهَا في الجنة”.ِ فالدنيا ليس فيها راحةٌ أبداً.

بل تجد فيها المهمومين والمكروبين والمديونين والفقراءَ والمساكين والبائسين وغير ذلك.

فجاءَ الإسلامُ ليخففَ من هذه الضغوطِ على هؤلاءِ وذلك من خلالِ نشرِ الأخلاقِ التي تحثُّ على التكافلِ الاجتماعي..

ومن هذه الأخلاقِ خلقُ المواساةِ مع جميعِ الناسِ على اختلافِ عقائدِهم وجنسياتِهم.
فما المقصودُ بالمواساةِ وما الحكمةُ منها وما فضلُها ؟

هذا ما سيدورُ عليه حديثُنا فأعيرُونِي آذانًا صاغيةً وقلوباً واعيةً.
(المواساةُ) أحبتي في اللهِ :- أن تشعرَ بالناسِ وتشاركَهم في أمورِهم .. تفرحُ لفرحِهم وتحزنُ لحزنِهم وتتألمُ لآلامِهم .. المواساةُ أن يعلوكَ الأرقُ لنازلةٍ نزلتْ بأخِيك، وأنْ تسبقكَ الدمعةُ لحاجةِ مسكينٍ، وأنْ يعتصرَك الألمُ لمصيبةِ أخِيك المسلمِ، وأفضلُ شاهدٍ على ذلك:
أنّ سيدنَا عمرَ بن الخطابِ رضي اللهُ عنه في عام المجاعةِ خاطبَ بطنَهُ قال: قرقرْ أيها البطنُ أو لا تُقرقرْ، فو اللهِ لن تذوقَ اللحمَ حتى يشبعَ منه صبيةُ المسلمين.

وهذا بشرٌ الحافي دخلوا عليه في يوم شديدِ البردِ، وقد تجردَ وهو ينتفضُ، فقالوا‏:‏ ما هذا يا أبا نصرٍ‏؟‏ فقال‏:‏ “ذكرتُ الفقراءَ وبردَهم، وليس لي ما أواسِيهم، فأحببتُ أنْ أواسيَهُم في بردِهم”.‏
وصدقَ القائل :ُ إذَا اشْتَكَى مُسْلِمٌ فِيْ الصِيْنِ أرَّقَنِيْ *  وإنْ بَكَى مُسْلِمٌ فِيْ الْهِنْدِ أبْكَانِي ..

وَمِصْرُ رَيْحَانَتِيْ وَالشَامُ نَرْجِسَتِيْ * وَفِيْ الْجَزِيْرَةِ تَارِيْخِيْ وَعُنْوَانِي ..
أحبتي في اللهِ :- كيف نفرحُ وبين أظهرِنَا فقراءٌ محاويجٌ؟!

كثيرٌ من الناسِ ليس عندهم ما يأكلون، بيوتُهم خاويةٌ، ليس بها زادٌ إلا رحمةَ ربِّ العبادِ،
كم مِنْ أرملةٍ مغمومةٍ مهمومةٍ، يتلوّى صغارُها، ولكنْ هيهاتَ هيهاتَ أنْ تجدَ مغاثهَا إلا من الرحمنِ الرحيم. ِ
فلنتقِ اللهَ تعالى في الجوعَى والهلكَى والمصابين ، ولنواسيهم بما يعينُهم ويخففُ مصابهُم، فإنهم في مخمصةٍ شديدةٍ، وكربةٍ عظيمةٍ، وحاجةٍ أكيدةٍ. فعليكم بمواساتِهم ؛ فإنّ المسلمَ أخو المسلمِ: لا يَظْلمُهُ ولا يُسلمُهُ ولا يخذلُه .

اسألوا عن المحتاجين في بيوتِهم، وعن المصابين في أماكِنهم، اُدخُلوا عليهم، وهوِّنوا عليهم الشدائدَ والآلامَ، وخفِّفوا عنهم ما هم فيه من الأسقامِ والأحزانِ، وتصوَّروا أنكم لو كُنتم مثلَهم؛ فماذا كنتم تحبون أن يُصنَعَ بكم؟!

** فما الحكمةُ من المواساةِ؟

الحكمةُ منها عظيمةٌ وجليلةٌ ألا وهي أنها تسليةٌ للمصابِ والمهمومِ والمكروبِ وتصبيرٌ له، فإنّ الشخصَ إذا ابتُلِي بابتلاءٍ من الابتلاءاتِ وشاركُه فيه غيرُه هانتْ عليه بلواهُ، وهانتْ عليه مصيبتُه،
كما قالتْ الخنساءُ وهي تُرثي أخاهَا صخْراً :-

فلولا كثرةُ الباكين حولي * على إخوانِهم لقتلتُ نفسي..
ولا يبكونَ مثلَ أخي ولكنْ * أُعزي النفسَ معهم بالتأسِى..
** وإذا أردنَا أنْ نتحدثَ عن فضلِ المواساةِ وما أعدّه اللهُ جل وعلا لمن يتخلقون بهذا الخلقِ العظيمِ فحدثْ ولا حرج ..

* فمن ثمراتِها : أنّها تكسبُ المسلمَ حبَّ اللهِ تعالى، ثم حبَّ الناس.ِ

وتنشرُ المحبةَ وتقوي العلاقاتِ بين المسلمين، كما تُذهِبُ الحسدَ، وتميتُ الأحقادَ من قلوبِ الناسِ.
فعن عائشةَ، قالت: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكرَ خديجةَ أحسنَ عليها الثناءَ، فقلتُ: ما تذكرُ منها وقد أبدلكَ اللهُ بها خيرا؟، قال: (ما أبدلَني اللهُ بها خيرا منها، صدقتنِيِ إذ كذبَني الناسُ، وواستنِي بمالِها إذ حرمَني الناسُ، ورزقنِي اللهُ منها الولدَ إذ لم يرزقْني من غيرِها).
لقد رُزِقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حبَّ السيدةِ خديجةَ رضي اللهُ عنها، وأحدُ الأسبابِ لهذا الحبِّ  هو مواساتُها له وقت الشدة..ِ

* ومن ثمراتِها أنها تكسبُ العبدَ عونَ اللهِ تعالى ومعيتَه.. فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:(وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).  

ولقد قالتْ السيدةُ خديجةُ للنبي صلى الله عليه وسلم مبينةً السببَ في أنّ اللهَ معه ولن يتركَه وذلك لما رأتْه مهموماً لتأخرِ الوحي عنه :- (كلا واللهِ لا يُخزيك اللهُ أبداً) مَنْ علّمها ذلك؟ إنها الفطرةُ (إنك لتصلُ الرحمَ، وتحملُ الكلّ، وتكسبُ المعدومَ، وتَقرِي الضيفَ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ) يعني هذا الإلهُ العظيمُ مستحيلٌ أنْ يتخلىَ عن إنسانٍ محسنٍ، اللهُ معك، وإذا كان اللهُ معكَ فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك؟. هكذا بيّنتْ ووضّحتْ السيدةُ خديجةُ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

لذا أخي كن مع اللهِ ترَ اللهَ معك * واترك الكلَّ وحـاذر طمعَك..
وإذا أعطَاك من يمنـعهُ*** ثم من يعطي إذا ما منـعَك؟

* ومن ثمراتِها :- أنّ رسولَ اللهِ عدَّها كالجهادِ في سبيلِ اللهِ الذي هو ذروةُ سنام الإسلامِ، يقولُ في الحديثِ الذي رواه الشيخان من حديثِ أبي هريرةَ: (الساعي على الأرملةِ والمسكينِ كالمجاهدِ في سبيلِ الله ، أو القائِمِ الليلَ الصائِمِ النهارَ)، فهل نعجزُ عن تحصيلِ الثوابِ لهذا العملِ الذي قد يكونُ أيسرَ على كثيرٍ منّا من الجهادِ بالنفسِ؟!

بل ويرفعُ رسولُ اللهِ هذا المبدأَ ويشجعُ عليه حتى يجعلَ من يقومُ بهذا الواجبِ الإسلاميِّ العظيمِ رفيقًا له في الجنةِ، فيقولُ فيما رواه البخاريُّ من حديث سهلِ بن سعدٍ: (أنا وكافلُ اليتيمِ في الجنةِ هكذا)
وأشار بالسبابةِ والوسطَى وفرّج بينهما. فمن ذا الذي يرغبُ عن مصاحبةِ رسولِ اللهِ في الجنةِ؟! ومن ذا الذي يزهدُ في هذا الفضلِ العظيمِ؟! وهذا من بابِ مواساةِ اليتيمِ الذي فقدَ أباهُ وهو في حاجةٍ ماسةٍ إلى مَن يواسِيه ويخفِف عنه.

* أحبتي في اللهِ ما ذكرنَاه ما هو إلا جزءٌ يسيرٌ من فضائلِ المواساةِ ولكنْ لضيقِ الوقتِ نكتفي بهذا القدر. ِ
كما ينبغي علينا أنْ نعلمَ أنّ اللهَ تعالى واسي أنبيائَه في محنتِهم التي رأوهَا من خلالِ دعوتِهم.
فعلى سبيلِ المثالِ لا الحصرِ :-

** تذكيرُ اللهِ جلّ وعلا لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم بأخبارِ الأنبياءِ قبلَه لتصبيرِه، ومواساةٍ له لما لاقاهُ مِن قومِه من إعراضٍ وصدودٍ لدعوتِه فقال تعالي له:(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا) [الأنعام:٣٤]، وفي الآية الأخرى قال تعالى : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)[الأحقاف:٣٥] وكأنّ اللهَ تعالى يقولُ له لا تجزعْ ولا تبتئسْ إِذا ما كذبَك قومُك وآذوكَ ،فقد كُذِّبَ رسلٌ من قبلِك فصبروا فلتتأسَى بهم ولتصبرْ على معاندةِ الأعداءِ وتَحَمّل أذاهُم ، واعلم أنّ الإِمداداتِ والألطافَ الإِلهيةِ ستنزلُ بساحتِك بموجبِ هذه السنةِ ، فتنتصرَ في النهايةِ عليهم جميعاً..
ولذك كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَبِّرُ نفسَه بهذا المبدأِ، فلما أُوذي عليه الصلاةُ والسلام قال: (رحم الله أخي موسى! لقد أوذي بأكثرَ من هذا فصبر).

وهذا يعطينا فقهاً للتعاملِ مع الناسِ، ألا وهو مواساةُ الناسِ بمصائبِ غيرِهم، فإذا جاءَك شخصٌ يشكو من مرضٍ متألماً منه، فاحكِ له قصصاً تُصَبّره بها، وذكِّره بعبرِ أقوامٍ قد أُصيبوا بأشدَّ وأشدّ من الذي اُبتلي به، فحينئذٍ تهونُ عليه تلك المصيبةُ التي هو فيها، ويحمدُ اللهَ سبحانه وتعالى على ما أصابَه.

** كذلك مواساةُ اللهِ عز وجلّ لأمِّ موسى عليه السلام، حين أُمِرتْ بأنْ تُلقِيه عليه السلام في اليمِّ، فتفطرَ قلبُها خوفا عليه، فواساها اللهُ عز وجل وطمأنَ فؤادَها، فقال لها:- ( فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ ۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ) [القصص : ٧].

** كذلك مواساةُ اللهِ تعالى للسيدةِ مريمَ عليها السلام، حين اشتدَّ عليها الأمرُ. وحزنتْ حُزنا شديدًا وخافتْ من قومِها ماذا ستقولُ لهم فأصبحتْ في همٍّ كبيرٍ حتى أنها تَمنّتْ الموتَ. قال تعالى مخبرًا عن ذلك:(فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا) [ مريم :٢٤] فإذا بالمولى جل وعلا يواسِيها ويهدئُ من روعِها قال تعالى (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا‏)[ مريم‏:‏ ٢٥]‏.
وهناك العديدُ من الآياتِ القرآنيةِ التي تحدثتْ عن خُلقِ المواساةِ وكيف واسَى اللهُ جل وعلا انبيائَه وعبادَه.
** ولكن تعالوا بنا لننتقلَ إلى سيرةِ حبيبِنا صلى الله عليه وسلم لنرى من خلالِها صورًا مشرقةً لحبيبِنا صلى الله عليه وسلم مع هذا الخلقِ العظيم. ِ فعَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ:( سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ زَاهِرٍ أَبَا رُوَاعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: إِنَّا وَاللهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِّمُونِي بِهِ، عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ). فلقد كان حبيبُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم يتفقدُ الناسَ ويواسِيهم في مصابِهم وهمومِهم ففي حديثِ معاويةً بن قرة عن أبيه قال: (كَانَ نَبِيُّ اللهِ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَهَلَكَ، فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ، فَحَزِنَ عَلَيْهِ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا؟)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (يَا فُلَانُ، أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ؟). قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ: (فَذَاكَ لَكَ).

* وهذا موقفٌ آخرٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم يواسي فيه الصحابيِّ الجليلِ جابرِ بن عبدالله في وفاةِ والدهِ فقال له صلى الله عليه وسلم:- (يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا. قَالَ: (أَفَلَا أُبَشِّرُكَ، بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ) ؟، قَالَ: بَلَى: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ: يَا عَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي، فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً. فَقَالَ الرَّبُّ: إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ. قَالَ: يَا رَبِّ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: ١٦٩]. فما أحسنَ هذا العزاء، وما أكرمَ تلكُم المواساة!

وأمرَ صلى الله عليه وسلم بصنعِ الطعامِ لأهلِ الميتِ مواساةً لهم؛ فعَنْ جَعْفَرِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :(اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ” أَو “أَمْرٌ يَشْغَلُهُمْ) ـ وهذه مواساةٌ عمليةٌ مع القوليةِ.

* وها هو صلى الله عليه وسلم يتحدثُ عن فضلِ أبي بكرٍ الصديقِ بأنّه واساه بنفسِه ومالِه فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ، حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لَا، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَمَعَّرُ -أي تذهبُ نضارتُه من الغضبِ- حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي… مَرَّتَيْنِ؟ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا.

* ولقد حثَّ حبيبُنا ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم على خُلقِ المواساةِ وبيّنَ فضلَه في العديدِ من أحاديثِه.. روى مسلمٌ أنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ)، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.

هذه الجملةٌ الأخيرةُ ضعْ تحتَها ألفَ خطٍ وتفكرْ فيها: حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.
وعَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ).

هكذا فلتكونُ المواساةُ والمودةُ والرحمةُ. وروى الشيخان عن أبي موسى الأشعريِ رضي اللهُ عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ يشدُّ بعضُه بعضًا، وشبكِ بين أصابعِه).

وقال صلى الله عليه وسلم: (مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثَلُ الجسدِ إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهَر والحُمَّى). رواه البخاري ومسلم.

أحبتي في اللهِ :- إنّه لا يمكنُ أنْ يتحقَّقَ في الأمةِ معنى الجسدِ الواحدِ وهي لا تعرفُ المُواساةَ، كما أنها لا يُمكنُ أنْ تبلُغَ درجةَ الرِّفعةِ والتمكينِ والفلاحِ إذا كانتْ تفرحُ وبعضُها يبكِي بفُقدانِ ما فرِحَتْ به، وتَشبَعُ وجارُها جائعٌ، وتُروَى وقريبُها ظمآنٌ، وتلبسُ وشريكُها في الدينِ عارٍ.
فقد قال الصادقُ المصدوقُ صلوات الله وسلامه عليه:(ليس المؤمنُ الذي يشبعُ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه). رواه الحاكمُ وغيره.

وفي الختام :- أقول إنّه لمن المؤسفِ أنّ الحياةَ المعاصرةَ جعلتْ الفردَ يتمحورُ حولَ ذاتِه، حتى لا يكادُ يحسُّ بشعورِ الآخرين ومصابِهم، وما يكونون فيه من الشدةِ والبلاءِ، فأصبحنَا نرى مأتمًا وعويلا وبجوارِه في الشارعِ المقابلِ له فرحًا وسرورًا فلا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِ العظيمِ… وواللهِ إنّ كثيرًا من المسلمين يعانون من أحوالٍ ماديةٍ صعبةٍ، وأحوالٍ نفسيةٍ سيئةٍ، ويحتاجون إلى مواساةٍ ومساندةٍ، المواساةُ بالمالِ، المواساةُ ببذلِ الشفاعةِ لإزالةِ الضائقةِ، (مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا)[سورة النساء:٨٥].
فهل شعرنَا بهم، هل شعرنَا بآلامِهم، هل شعرنَا بأهلِ المصائبِ والابتلاءاتِ هل شعرنَا بالفقراءِ والمحتاجين.. عبادَ اللهِ، إنّ مَنْ يخفف الشدائدَ عن الناسِ يفرجُ اللهُ عنه يومَ القيامةِ الكربات ، واللهُ في عونِ العبدِ ما دام العبدُ في عونِ أخيهِ، ومن سترَ مسلماً سترَه اللهُ في الدنيا والآخرةِ، ومن أقالَ مسلماً أقالَ اللهُ عثرتَه، ومن سترَ عورةَ أخيهِ سترَ اللهُ عورتَه يومَ القيامةِ، ومن أطعمَ الطعامَ، وأفشى السلامَ، وصلى بالليلِ، والناسُ نيامٌ، دخلَ الجنةَ بسلامٍ، ومن لا يرحم الناسَ لا يرحمهُ الله.ُ
**
أسأل اللهَ تعالى أنْ يجعلنَا من المتراحمين وأنْ يلينَ قلوبنَا وأنْ يفرجَ همَّ المهمومين من المُسلمين، وأن ينفِّسَ كربَ المكرُوبِين، وأن يقضِ الدَّيْنَ عن المَدينين، وأن يشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، اللهم آمين..
** كتبه: الشيخ / كمال السيد محمود محمد المهدي.
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

 

_____________________________________

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »